سفر

بالي: حيث عشتُ السّلام الدّاخليّ...

عندما تقضون معظم أيّامكم في المستشفى كأطبّاء متمرّنين وتعملون على مدار السّاعة، يصبح إختيار الوجهة المثاليّة لعطلتكم المقبلة بأهمّيّة القرارات التي تتّخذونها لإنقاذ أحدهم. وبعد إجراء أبحاث عن وجهات مختلفة بصفتي محترفة في ما يختصّ بالقيام بأبحاث على الإنترنت، صورة واحدة كانتْ كفيلة في أن تجعلني أقرّر زيارة بالي.

للّذين لا يعرفون تفاصيل عن بالي: تتمركز هذه الأخيرة في إندونيسيا وتشكّل جزءاً من مثلّث المرجان، إنّها شهيرة بتنوّعها في ما يختصّ بالحيوانات البحريّة وتتّسم بمناخ إستوائيّ دافئ، ما يجعلها وجهة لكلّ من يحبّ إستكشاف الرّوائع الموجودة تحت البحر. وستجدون على الإنترنت عدداً كبيراً من المراجع التي تدلّكم على أماكن مثاليّة تزورونها بغاية السّباحة أو السّهر أو الإسترخاء، ولكن لا أحد يخبركم أنّها المكان الذي ستعيشون فيه السّلام والسّعادة الدّاخليّة.

ما من صورة تستطيع وصف جمال هذه الجزيرة بصفائها وطابع القداسة الذي يغلب عليها. لعلّ ما يُقال عن حراسة الآلهة لها صحيح فعلاً. فكان كلّ شيء مختلفاً: الهواء أكثر خفّةً والشّمس أكثر قوّةً والسّماء أكثر صفاءاً وحتّى روحي كانتْ تريد أن تُشفى وأن تبتعد عن الضّغوطات النّفسيّة اليوميّة المتراكمة.

عندما كنتُ في بالي، كنتُ أستيقظ كلّ يوم بكامل نشاطي لتناول وجبة الفطور، التي تتضمّن في العادة فاكهة Pitaya، فاكهة التّنّين الحمراء المتّسمة بالمذاق الحلو الخفيف والمنعش، إلى جانب حوض السّباحة. وبعدها، كنتُ أقوم بقراءة كتاب أو أتعرّض للشّمس بداعي الإسمرار أو أسير على شواطئ الرّمل الأبيض في دينباسار، عاصمة بالي الشّهيرة. كنتُ قد نسيتُ كم يكون لون المحيط أزرقاً.

كانتْ السّماء تمطر أحياناً ومن الغريب أنّ ذلك لم يكن يدفعني إلى الإختباء تحت سقف ما. فكنتُ أبقى في الخارج أرقص تحت الأمطار الإستوائيّة.

ستشعرون هناك بأنّ ثمّة ما يربطكم بمحيطكم وبقوّة عظمى تجمع العناصر كلّها مع بعضها البعض.

ولا تظنّوا إنّي بمجرّد ما أخليتُ عقلي من كلّ الضّغوطات النّفسيّة إستغنيتُ بذلك عن جلسات التّدليك؛ كان جسمي بحاجة إلى الإسترخاء من ضغوظ العمل اللّيليّ في المستشفى فلجأتُ إلى أفضل مكان، ألا وهو سبا AYANA’s المتمركز على صخور والمطلّ على المحيط الهنديّ، إذ وبحسب موقعه الإلكتروني "لا مكان يجسّد الجنّة على الأرض أفضل منه".

صدّقوني، ستشعرون أنّكم في الجنّة فعلاً وبسرعة الضّوء بعد خمسين دقيقة من جلسة تدليك AYANA Fusion التي يُستخدم في خلالها تركيبة عشبيّة مميّزة مكوّنة من ثلاثة أنواع من الزّنجبيل الشّافي. 

وفي مدينة أوبود، مركز الثّقافة في بالي، المتمركزة في وسط جبال الجزيرة، ستختبرون صوت الطّبيعة العذراء وصفاء الأدغال وتلتقون بالقرود الشّقيّة التي تحاول سرقة أيّ شيء تحملونه معكم. ومن ثمّ تلتقون بالسّكّان المحلّيّين: لم أتعرّف قطّ على أناس مضيافين ومتواضعين إلى هذا الحدّ. إنّهم يبتسمون دائماً ومستعدّين دائماً لتقديم المساعدة أو لإرشادكم عندما تكونون ضائعاين أو بكلّ بساطة إلتقاط صورة لكم.

كنتُ في بعض الأيّام أتأّمّلهم في خلال توجّههم إلى المعابد حاملين هدايا صغيرة. لم تكن هداياهم باهظة الثّمن ولكنّها كلّ ما يملكونه وهم سعيدون لمشاركته.

من الصّعب عدم تذكّر أساسيّات الحياة في خلال مكوثكم في بالي. إنّها توقظ روحكم. إنّها تذكّركم أنّكم لا تحتاجون إلى الكثير لتكونوا سعداء فعلاً. فجلّ ما تحتاجون إليه هو الكثير من الحبّ والقليل من البساطة.

ففي حال رغبتكم في إيجاد السّلام الدّاخليّ، تعلمون إلى أين تتوجّهون.

 

ماري-تيريزيا حدشيتي

إنستغرام: @Therychoux



شارك المقال